• اقترح موضوعا : مقابلة الأستاذ طلال أبوغزاله مع صحيفة الخليج
  • التاريخ : 26-أيلول-2010
  • النص :

    التاريخ : الأحد ,26/09/2010


    الاقتصاد الحقيقي للإمارات لم يتأثر بالأزمة العالمية


    توقع الخبير الاقتصادي العربي طلال أبو غزالة في حوار مع “الخليج” نمو اقتصاديات دول الخليج العام المقبل بنسبة 10% ونمو اقتصاد الدول العربية الأخرى بنسبة تتراوح بين 5- 10%، لأن دول الخليج وخاصة دولة الإمارات، ليست جزءاً من الأزمة العالمية، حيث إن اقتصادها الحقيقي أو سوقها الأساسي لم يتأثر بالأزمة، وإنما سوق المال أو السوق الوهمي فقط هو من تأثر نتيجة ارتباطه بأسواق المال العالمية، كما أن أسعار النفط


    سوف ترتفع قبل نهاية العام الجاري حتى تصل على 100 دولار للبرميل الواحد، مشيراً إلى أن الأزمة استدعت تغيرات جوهرية في الأنظمة المصرفية والمالية في الدول عامة والمتقدمة منها بشكل خاص، كما أنها فرضت تغيراً جذرياً في التركيبة الجيواقتصادية للعالم، تبلورت في ظهور تكتلات اقتصادية مختلفة وبديلة عن السبعة الكبار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، كان أولها تكتل “البريك” . وفي ما يأتي نص الحوار:


    الجميع بالغ بتأثر دبي بالأزمة العالمية


    كيف ترى الوضع الاقتصادي العالمي بعد مرور عامين على اندلاع الأزمة العالمية الراهنة؟


    - هذه الأزمة بنيوية وطويلة الأجل، وتستدعي تغيرات جوهرية في الأنظمة المصرفية والمالية في الدول عامة والمتقدمة منها بشكل خاص، وما حصل حتى الآن هو انتقال الأزمة أو المشاكل التي خلفتها الأزمة، من القطاع الخاص إلى القطاع العام، نتيجة للدعم الحكومي الذي قدمته الدول إلى مؤسساتها المالية لتحمي نظامها المصرفي من الإفلاس والانهيار، الأمر الذي أوقع هذه الدول في مشكلة عجز ميزانياتها وتراكم في ديونها العامة وانخفاض في مستوى الخدمات التي تقدمها لمواطنيها . صحيح أن الأزمة أصابت السوق الوهمية أو الموازية، لكن جميع مؤشرات الاقتصاد الحقيقي في العالم سلبية، فكيف يمكن أن يكون هناك انتعاش ونسب البطالة تزداد والإفلاسات موجودة والانتاج ينكمش والطلب على السلع والخدمات في تراجع مستمر، لا يزال أمامنا عشر سنوات من الأزمة في العالم الغربي وتداعياتها أو آثارها على جميع الدول بشكل نسبي يختلف بين دولة وأخرى، بحسب ارتباطها بدول ذلك العالم . إن أموال الدعم لم تعالج تداعيات الأزمة على القطاع الخاص، بل نقلت المشكلة إلى القطاع العام عندما أرهقت كاهل الحكومات بالديون، لذلك نحن بحاجة إلى معالجة جذرية لإدارة الاقتصاد العالمي وصياغة جديدة للأنظمة المصرفية المالية، تمنح المصارف المركزية أدواراً رقابية حقيقية تعالج تداعيات هذه الأزمة وتمنع وقوع أزمات مشابهة لها في المستقبل .


    توقعت سابقاً أن تخلف الأزمة تغيراً في ملامح الخارطة الاقتصادية العالمية، إلى أي مدى تحقق ذلك؟


    - نحن أمام تغير جذري في التركيبة الجيواقتصادية في العالم، والتغير الذي أتكلم عنه يتبلور في ظهور تكتلات اقتصادية مختلفة وبديلة عن السبعة الكبار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد كان أول تغير في هذا الإطار يتجسد بتأسيس تكتل “البريك” المكون من البرازيل وروسيا والصين والهند، والذي يرى الخبراء الأمريكيون أنه سوف يحل مكان أغلب دول السبعة الكبار مستقبلا . التقديرات الحالية تشير إلى تحرك الثروة من الشمال إلى الجنوب ومن الغرب إلى الشرق، ومن الطبيعي أن يرافق ذلك التحرك تغير في مواقع القوى الاقتصادية في العالم، لتبرز دول مثلاً روسيا والصين وكوريا، وتتراجع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، كما أن ذلك يفتح الباب أمام تحالفات اقتصادية جديدة تعتمد على مصلحة الدول المتحالفة فقط أو بمعنى كل دولة على حدة، وليست مبنية على مصلحة قطب أو اتحاد أو منظمة .


    ماذا عن الدولار كعملة الاحتياط العالمية، في ظل هذه التغيرات والتقلبات التي تتحدث عنها؟


    - لن يبقى الدولار عملة الاحتياط الوحيدة في العالم، وستفرز تداعيات الأزمة والتغيرات الاقتصادية العالمية التي سترافقها خلال السنتين المقبلتين ربما، عملة احتياط عالمية جديدة متفق عليها لتكون بديلة عن الدولار في معايرة الاحتياطي العالمي وإنجاز التسويات المالية بين الدول، وهذا الأمر هو في صالح أمريكا قبل أي دولة أخرى، حيث أنها تكبدت أو تحملت الجزء الأكبر من الأزمة لأن عملتها هي عملة الاحتياط في العالم، وهذا ما يؤكده الخبراء الأمريكيون، واستند إليه رئيس صندوق النقد الدولي عندما أعلن مؤخراً حاجة العالم إلى عملة احتياط جديدة بديلة عن الدولار .


    كيف ستتأثر الاقتصادات الخليجية وبخاصة الإماراتي منها بهذه التغيرات التي تحدثت عنها؟


    - الاقتصادات الخليجية اقتصادات نامية وصاعدة، وتأثرها بجميع التغيرات التي أسلفنا الحديث عنها سيكون مشابهاً لتأثر أي اقتصادات مشابهة لها في العالم، وهو تأثير ينطوي على إيجابيات وسلبيات عدة في آن واحد، وخاصة عند تغيير عملة الاحتياط العالمية وفك ارتباط العملات الخليجية بالدولار الأمريكي، مع ضرورة التأكيد هنا أن العملة وحدة للقياس والرقابة على التعاملات المالية وليست طاقة إنتاجية، وبالتالي فإن مراقبة تغيرها وتحركها يساعد في اتخاذ قرارات اقتصادية هامة، لكن تغيرها بحد ذاته لا يؤثر على الناتج المحلي للدولة، وفي جميع الحالات يجب أن يتم الانتقال إلى عملة عالمية جديدة وفك ارتباط العملات المحلية بالدولار، بشكل تدريجي يتيح استيعاب التغيرات الناجمة عن ذلك .


    كيف نصف الأزمة في دول الخليج إذا أردنا أن نكون أكثر تحديداً؟


    - دول الخليج وخاصة دولة الإمارات، ليست جزءاً من الأزمة العالمية، فالاقتصاد الحقيقي أو السوق الأساسي في دول الخليج لم يتأثر بالأزمة، وإنما سوق المال أو السوق الوهمي فقط هو من تأثر نتيجة ارتباطه بأسواق المال العالمية، وهذا ما يؤكده استمرار المشاريع والحركة السياحية والسفر وحجوزات الفنادق وعدم وجود أي حالات إفلاس أو تصفية لبنوك أو شركات أو مؤسسات في هذه الدول وعلى الأخص في دولة الإمارات، بما فيها إمارة دبي التي بالغ الجميع في الحديث عن تأثرها بالأزمة العالمية .


    ماذا عن تراجع أسعار النفط الذي يشكل مصدراً أساسياً في الإنتاج الإجمالي المحلي لهذه الدول؟ .


    - قبل أي شيء فإن النفط سوف يصل إلى 100 دولار للبرميل الواحد قبل نهاية العام الجاري، وذلك لأن النفط ليس سلعة وإنما هو قرار استراتيجي، وارتفاع أسعاره يخدم أمريكا كما يخدم دول الخليج، حيث أن جزءاً كبيراً من عجز موازنتها يمكن تعويضه عن طريق الضرائب التي تفرضها على دخول النفط لأي دولة غربية .


    ومن جهة أخرى، فإن جمود أسعار النفط في الوقت الراهن مصطنع ولن يستمر لان جميع المؤشرات الاقتصادية تذهب باتجاه ارتفاع أسعاره، في مقدمتها ازدياد الطلب عليه من قبل الاقتصاديات الناشئة والصاعدة، والذي عوض انكماش طلب الدول الأوروبية عليه، كما أن القيمة الحقيقية للنفط تزداد بشكل مستمر، والحديث عن مصادر طاقة بديلة لا يزال مبكراً جداً على اعتبار أن كلفة جميع البدائل كبيرة وغير منافسة لكلفة إنتاج النفط في الوقت الحالي .


    وبات حجم استهلاك النفط في الدول مؤشراً على تقدمها الحضاري والتقني، وبات الاستغناء عنه أو تقليص استخدامه معرقلاً للنمو الاقتصادي الحقيقي للدول المنتجة أو المستهلكة له، لذلك فإن الارتفاع الذي سيطال أسعاره حتى نهاية العام الجاري سوف يعود بالنفع على جميع دول العالم، وفي مقدمتها دول الخليج والدول العربية عامة .


    طالبت الدول العربية باعتماد سياسة حمائية لمنتجاتها وصناعاتها خلال هذه الفترة، وهو أمر يتعارض في جزء كبير منه مع الاتفاقيات الدولية المبرمة بين الدول وخاصة فيما يتعلق بقوانين منظمة التجارة الحرة، ما الفائدة من ذلك؟


    عندما قرر الرئيس الأمريكي باراك أوباما مطلع العام ضخ تريليون دولار في مشاريع بنية تحتية ببلاده شرط استعمال مواد وخدمات أمريكية فقط فيها، لم أسمع منظمة التجارة العالمية تعترض على كلام أوباما وتنتقد مخالفته لقوانين السوق في دعم المنتجات الوطنية على حساب الأجنبية . في جميع الحالات، السياسة الحمائية برأيي هي أخذ مصلحة المؤسسات الوطنية بعين الاعتبار قبل مصلحة المؤسسات الأجنبية، وما أطالب به هو إعطاء الأولوية لدعم المؤسسات الوطنية وتشجيعها على القيام بواجبها .


    أود أن أشير إلى أننا لطالما كنا نناشد المسؤولين العرب لإلغاء قوانين تشجيع الاستثمار الأجنبي الذي لم يكن سوى كذبة كبيرة، فما جاءنا بفعل هذه القوانين هو التسويق الأجنبي الذي جر استثمارات عربية ضخمة إلى الخارج . اليوم وبعد الأزمة أنا أطالب المسؤولين العرب بتشريعات وقوانين لتشجيع الاستثمار الوطني، تتيح للمؤسسات الوطنية لعب الدور الحقيقي والفعلي لها في هذه البلاد .


    هل تعتقد أن الدول العربية قادرة على الاستغناء عن الاستثمارات الأجنبية، والاعتماد على الاستثمارات والخبرات الوطنية المتوفرة لديها؟


    - أنا لا أدعو إلى الاستغناء عن الاستثمارات أو الخبرات الأجنبية بشكل نهائي، وإنما أدعو إلى إعطاء الأولوية للخبرات الوطنية في المجالات التي تعمل فيها، وهي كثيرة ويمكن فيها الاستغناء عن العنصر الأجنبي تماما، ودعني أوضح في هذا السياق أن عدم وجود الخبرات الوطنية الكافية لدينا، من الأكاذيب التي عممها علينا الغرب وعشنا في ظلها سنوات طويلة، تماماً مثل مقولة أن الأنظمة العربية لا تشجع الاستثمارات الوطنية فيها، والمنطقة غير قادرة على استيعاب فوائض الإنتاج والاستثمارات فيها، والتجارة بين الدول العربية ضعيفة، وغيرها . وهنا يمكن ذكر بعض الأمثلة أو المعلومات المهمة التي تدحض مثل هذه الادعاءات، فمثلاً قيمة مخزون النفط الموجود تحت أرض الخليج لا تكفي إذا بيعت بسعر اليوم لإنشاء بنية تحتية قوية مثل الموجودة في أوروبا، كما أن حجم التجارة العربية البينية يشكل 30% من إجمالي التجارة الخارجية للدول العربية . لقد غيرت الأزمة من طريقة تفكير الأنظمة السيادية العربية، وجعلتها أكثر اهتماماً بالاستثمار في المنطقة العربية وتعزيز التعاون الاقتصادي العربي، بالإضافة إلى إصرارها على تنويع اقتصاديات دولها بشكل جدي، وما ازدياد حجم المشاريع المتبادلة بين العربية إلا هو دليل على هذا الكلام، لذلك أدعو القطاع الخاص العربي إلى الاشتراك في هذا التغيير والسعي بشكل جدي إلى إظهار إيجابيات مشاريعه وأهميتها للأنظمة والشعوب العربية، والخروج من عقدة حاجته لمساعدة الدعم الحكومي .


    هل تتوقع معدلات نمو جيدة للدول العربية عامة والخليجية خاصة، هذا العام أو العام المقبل؟


    - نعم، فاعتباراً من العام المقبل أتوقع لدول الخليج نمواً يفوق ال 10%، والدول العربية الأخرى بين 5- 10%، وهذه توقعات مبنية على مؤشرات ومعطيات حقيقية، فأولاً من مصلحة الغرب أن تنمو أسواقنا لأنها بحاجة إلى تصريف منتجاتها وخبراتها، وثانياً الارتفاع الكبير أو الملحوظ الذي سيطال أسعار النفط مع نهاية العام الجاري، ثالثاً الدول العربية أصبحت في نهاية الأزمة ولم يبق أمامها سوى استيعاب بعض التداعيات الصغيرة، بالإضافة إلى ضعف الديون السيادية العربية وانعدامها في بعض الدول مثل دول الخليج .


    جزء من عمل مجموعة أبو غزالة مرتبط بالتدقيق والمحاسبة المالية، كيف تقيمون التزام الدول العربية بالمعايير العالمية لهذه الأنظمة؟


    - إنه مساو لالتزام الغرب بهذه المعايير إذا لم يكن أفضل منه، وأنا شخصياً أميل إلى التفضيل على اعتبار أن احترام الاتفاقيات والعهود والمعايير والالتزام الأخلاقي بها، لا يزال جزءاً من الإرث أو الثقافة العربية، على عكس الثقافة الأجنبية التي باتت تحكمها المصلحة ومعايير الربح والخسارة أكثر .


    ماذا عن الاستثمارات والمشاريع الأخرى لمجموعة أبو غزالة حتى نهاية العام والعام المقبل؟


    - نحن الآن نعمل في أكثر من 50 نشاطاً عبر 73 فرعاً و150 مكتباً تمثيلياً تنتشر في كل أنحاء العالم، تشمل تدقيق الحسابات والملكية الفكرية والاستشارات المالية وتقنية المعلومات والترجمة والخدمات القانونية، وقد استطعنا مواصلة التوسع لنحافظ على موقعنا كأكبر شركة للملكية الفكرية في العالم، ولدينا شركاتنا العربية للاتصالات والعقارية والبنوك والقنوات التلفزيونية . سوف نقوم قبل نهاية العام الجاري بطرح أول كمبيوتر عربي بالمواصفات العالمية ذاتها المعتمدة في الخارج، كما أننا سنطلق أول موسوعة عربية إلكترونية، على غرار ويكبيديا الحرة، تضم فقط المحتوى المفيد من التاريخ والأدب والعلوم والثقافة العربية بالإضافة إلى قواميس اللغة .كذلك نعمل مع منظمة فحص الجودة لوضع معايير لجودة ومراقبة التعليم ما قبل الثانوي في الدول العربية، ونسعى أيضاً إلى إنشاء منظمة عربية تعنى بالبحث العلمي تشكل مع مؤسسات البحث العلمي في الوطن العربي شبكة متكاملة ترتبط بمثيلاتها في العالم الغربي .




    المصدر:دار الخليج


    جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة دار الخليج للصحافة والطباعة والنشر © 2008


    http://www.alkhaleej.ae/portal/29ef51e5-a4f7-48d3-9474-e2f7e38ee93d.aspx